kharayeb.gif

أطروحة الأبعاد في القرآن الكريم

 

مقدمة:

 إن التطور العلمي والفكري للإنسان جعله يفهم بشكل أوضح الظواهر الطبيعية والقوانين التي تحكمها وكلما ازداد علماً ازداد قدرة على تفسيرها وفهمها والتعامل معها. وبما أن هذا الكون هو من خلق الله ( أو مخلوق لله كما كان يقول أحد أساتذتنا في الجامعة) وبما أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى وقد تحدث عن الخلق وحثنا على السير في الأرض لننظر كيف بدأ الخلق (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [العنكبوت : 20]) فإنه لا بد أن يتوافق كلام الله مع خلق الله. فلو تيسر لنا فهم تفسير آيات القرآن وتأويلها لاستطعنا من خلالها فهم كل شيء كما هو مدلول الآية(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل : 89]. و العكس صحيح, فلو تحصل لنا اليقين بأمر من أمور الخلق لتبين لنا ما يدل عليه في القرآن الكريم.

الهدف من هذه الأطروحة هو إظهار ما بدا لي من توافق بين ما فهمته من بعض آيات القرآن الكريم وما نصت عليه أحدث النظريات العلمية لتفسير كافة الظواهر الطبيعية وهي نظرية الأوتار(string theory) والإنطلاق من هذا الفهم لتفسير بعض الأمور الواردة في القرآن الكريم والتي سيأتي ذكرها لاحقاً.

وبما أن هذه النظرية لا تزال في بداياتها ولم تثبت صحتها من عدمها فإنني لا أدعي أن ما أذكره في هذا البحث هو يقين لا مجال للجدل به وإنما أنا أدليت بدلوي في موضوع يجمع بين علم الفيزياء والعلوم القرآنية بما تيسر لي منهما ولا أدعي لنفسي فيهما الكمال وأترك التمحيص لذوي الإختصاص.

 

نظرة في آيات القرآن:

كثيرة هي الآيات التي تذكر خلق السماوات والأرض وقد أحصيت خمس آيات يذكرن سبع سماوات. وقد اخترت من هذه الآيات آية جامعة لأكثر من معنى سترد مناقشته في هذا البحث وهذه الآية هي:

فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت : 12]

يمكن تقسيم هذه الآية إلى أقسام أربعة:

1-    فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ

2-   وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا

3-   وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً

4-   ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ

إن أول ما لفت انتباهي وحملني على الشروع في هذا البحث هو ما ورد في المقطع الثالث من هذه الآية الكريمة وهو قوله تعالى: *وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ*. فمن الواضح أن المقصود من المصابيح هو النجوم ولمّا لم يكن هناك تحديد لها وجب الإطلاق. أي أن كل النجوم هي في السماء الدنيا, وهذا المعنى يستلزم اعتبار الكون المحسوس لدينا واللامتناهي بإدراكنا هو محصور في السماء الدنيا.

فإذا عرفنا أن هنالك سبع سماوات- كما هو واضح من القسم الأول من الآية-  فلا بد أن تكون السماء الدنيا هي السماء الأولى. ونحن نعلم أنه بإمكاننا إدراك أبعاد أربعة في هذا الكون الذي اتفقنا على وجوده في السماء الأولى وهذه الأبعاد هي ثلاثة للمكان وواحد للزمان(x,y,z,t) يتبادر هذا السؤال إلى أذهاننا: لماذا لا يمكننا إدراك السماوات الستة الباقية؟ وبعبارة أخرى "أين" هي السماوات الستة الباقية؟

والجواب الذي أقدمه في هذا البحث هو أن السماوات الستة الباقية هي خارج أبعاد الزمان والمكان الأربعة المعروفة(أو كما اسْطُلِحَ على تسميتها حسب النظرية النسبية العامة بـ "الزمكان") فلو استطعنا ادراك بعد خامس لأدركنا السماء الثانية وهكذا لإدراك كل سماء جديدة يلزمنا إدراك بعد جديد. فيكون مجموع الأبعاد اللازمة لإدراك السماوات السبع هو عشرة أبعاد: أربعة للسماء الأولى (السماء الدنيا) + ستة للسماوات الستة الباقية. والخلاصة أن مجموع الأبعاد المدركة وغير المدركة هو عشرة أبعاد وهذا ما تنص عليه نظرية الأوتار(string theory).

 

نظرية الأوتار:

سأقتبس هنا تعريف هذه النظرية كما ورد في موسوعة ويكيبيديا:

نظرية الأوتار أو نظرية الخيطية (بالإنكليزية: String Theory) هي مجموعة من الأفكار الحديثة حول تركيب الكون تستند إلى معادلات رياضية معقدة، تنص هذه المجموعة من الأفكار على أن الأشياء أو المادة مكونة من أوتار حلقية مفتوحة وأخرى مغلقة متناهية في الصغر لا سمك لها وأن الوحدة البنائية الأساسية للدقائق العنصرية، من إلكترونات وبروتونات ونيترونات وكواركات، عبارة عن أوتار حلقية من الطاقة تجعلها في حالة من عدم الاستقرار الدائم وفق تواترات مختلفة وإن هذه الأوتار تتذبذب وتتحدد وفقها طبيعة وخصائص الجسيمات الأكبر منها مثل البروتون والنيوترون والإلكترون، أهم نقطة في هذه النظرية أنها تأخذ في الحسبان كافة قوى الطبيعة: الجاذبية والكهرومغناطيسية والقوى النووية، فتوحدها في قوة واحدة ونظرية واحدة، تسمى النظرية الفائقة (بالإنكليزية: M-Theory).

تهدف النظرية إلى وصف المادة على أنها حالات اهتزاز مختلفة لوتر أساسي وتحاول هذه النظرية الجمع بين ميكانيكا الكم[1] (بالإنكليزية: Quantum Mechanics)، التي تفسر القوى الأساسية المؤثرة في عالم الصغائر (القوة النووية الضعيفة، القوة الكهرومغناطيسية، القوة النووية القوية) وبين النظرية النسبية العامة التي تقس قوة الجاذبية في عالم الكبائر ضمن نظرية واحدة والتي تقول بإن الكون هو عالم ذو عشرة أو أحد عشر بُعدًا،[2] على خلاف الأبعاد الأربعة التي نحس بها وأن هنالك 6 أو 7 أبعاد أخرى، إضافةً لأبعاد عالمنا الثلاثة مع الزمن، غير محسوسة ومنطوية على نفسها. أما هذه النظرية الجديدة فتعتقد بأن الكون مكون من 26 بعداً، اُختزلت فيما بعد إلى عشرة أبعاد.

استنادا إلى نظرية الأوتار الفائقة فإن الكون الذي نعيش فيه ليس وحيدا، وإنما هنالك أكوان عديدة متصلة ببعضها البعض، ويرى العلماء أن هذه الأكوان متداخلة ولكل كون قوانينه الخاصة به.

 

عودة إلى الآية:

بعد أن عرضت مفهوم نظرية الأوتار كما وردت في موسوعة ويكيبيديا أقتبس المقطع الأخير  من هذا العرض حيث يفترض وجود أكوان متداخلة ولكل كون قوانينه الخاصة به لأطبق هذا الفهم على المقطع الثاني من الآية الكريمة(وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا) فنفهم منه أن الله تعالى جعل في كل سماء قوانينها الخاصة التي تحكم من فيها.

يبقى في هذه الآية بعض الدلالات التي لا بأس من الإشارة إليها:

1-بقية القسم الأول من الآية (في يومين): اليوم هو فترة زمنية. و تكوين السماوات حسب المفهوم السابق يعني نشأة الأبعاد. وإذا قلنا أن نشأة الأبعاد استغرقت يومين فهذا يدل على أن بعد الزمن كان أول الأبعاد نشأة. وإذا أخذنا في الإعتبار نسبية الزمن وارتباطه بالأبعاد الأخرى حسب النظرية النسبية يتيغير مفهومنا عن المدة الزمنية لليوم الواحد والتي قد تكون حسب قياسنا الحالي جزءاً صغيراً من الثانية أو مئات آلاف السنين.

2- بقية القسم الثالث من الآية(وحفظاً): يمكن أن نفهم منها أن الله سبحانه وتعالى زين السماء الدنيا بالنجوم وغيرها وبقوة تحفظ انتظامها وهذه القوة هي محصلة القوى المعروفة: الجاذبية, الكهرومغناطيسية, القوة النووية الشديدة والقوة النووية الضعيفة وهي التي تحاول نظرية الأوتار وصفها بقوة واحدة.

3- القسم الرابع من الآية (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ): التقدير هو ما يمكن فهمه بالمعادلة التي تحكم حركة الأجسام وعلاقاتها فيما بينها والقِيَمِ التي جعلها الله تعالى في هذه المعادلة. وهذه المعادلة هي ما جهد العلماء وما يزالون للوصول إليها وكانوا يسمونها "معادلة كل شيء". ونظرية الأوتار هي أحدث محاولة في هذا المجال.

( الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) هما الصفتان اللتان تتناسبان مع كل ما ذكرناه سابقاً من بين الصفات أو الأسماء الحسنى لله عز وجل.

 

آيات أخرى:

نأتي الآن الى تطبيق هذا المفهوم على بعض الآيات ذات العلاقة, فنبدأ بالآية التالية:

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر : 1]

يدل ظاهر الآية على أن ما أنزل في ليلة القدر هو القرآن الكريم. والسؤال الذي حاول الكثير من المفسرين والرواة الإجابة عليه هو الآتي: إذا كان القرآن كما نعلم قد نَزِلَ آياتٍ وسوراً على قلب النبي محمد(ص) طيلة فترة النبوة فما هو معنى التنزيل في ليلة واحدة كما هو الظاهر من هذه الآية الكريمة. وقد اختلفت الإجابات على هذا السؤال بين المدارس الإسلامية المتعددة وداخل المدرسة الواحدة.

وقبل أن نطبق ما فهمناه سابقاً عن الأبعاد العشرة على هذه الآية سأورد آيات أخرى تسهل هذا الفهم وتؤيده ومنها:

 1 {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)} [الواقعة : 75 - 80]

2 {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)} [البروج : 20 - 22]

3 {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء : 104]

4 {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد : 39]

يظهر من هذه الآيات المباركة أن أم الكتاب واللوح المحفوظ والكتاب المكنون هي إشارة للكتاب الذي عند الله أي أنه الكتاب كما هو في السماء السابعة. فإن كان ذلك كذلك فيكون الكتاب المحفوظ في الأبعاد العشرة ويكون القرآن الكريم هو إسقاط(projection)   للوح المحفوظ أو أم الكتاب من الأبعاد العشرة إلى الأبعاد الأربعة التي في عالمنا فيكون هذا هو معنى التنزيل. ويكون هذا التنزيل وقع في ليلة القدر فلما صار في عالمنا المحسوس الرباعي الأبعاد امتد على مساحة زمنية تتلاءم مع هذا العالم.

ولتوضيح الفكرة أذكر هنا مثالين:

الأول: كان يضربه أحد أساتذة الرياضيات ليقرب فكرة الفرق بين الرياضيات والفيزياء فكان يشبه الرياضيات بالجمل الواقف على الأرض والفيزياء هي أثر أقدام الجمل على الأرض فتكون الرياضيات أوسع أفقاً بكثير من الفيزياء. وهنا سأستخدم نفس التشبيه لأبين الفرق بين عَالَمٍ ببعدين وعالمٍ بثلاثة أبعاد. فما نراه في عالم البعدين هو أثر أقدام الجمل ولا يمكننا تصور الجمل نفسه إلا إذا تسنى لنا رؤيته بأبعاده الثلاثة.

فما بالك ونحن في أربعة أبعاد نريد تصور أو فهم الكتاب كما هو في عشرة أبعاد. أقول يستحيل ذلك, ولذا كان القرآن ما يمكن أن نراه و نفهمه في عالمنا الرباعي الأبعاد من كتاب هو في الأصل في عالم ذي عشرة أبعاد.

الثاني: يضرب لشرح نسبية الزمن في النظرية النسبية الخاصة, وهو ما يسمى عادة بمسألة التوأمين, وخلاصتها أنه لو سافر أحد التوأمين بمركبة تسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء (300.000 كلم\ث) فإن الزمن الذي يمر بالنسبة إليه أبطأ من الزمن بالنسبة لأخيه التوأم فلو غاب سنة مثلاً قد يعود ليجد أخاه التوأم قد أصبح هرماً. وهذا قد يقرب فكرة التنزيل في ليلة واحدة والنزول طيلة ثلاثة وعشرين سنة.

هذا المثال هو لتقريب فهم نسبية الزمن. إلا أن الواقع هو أعقد من ذلك بكثير ومن شاء التعمق في الأمر عليه دراسة النظرية النسبية العامة.

نعود الآن إلى الآية الرابعة بعد المئة من سورة الأنبياء:

{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء : 104]

تُشَبِّهُ هذه الآيةُ ما يحصل يوم القيامة بِطَيِّ السِّجِلِّ للكتب. وهناك نقاط عدة في هذه الآية تستوجب الوقوف عندها:

1 قوله تعالى * يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ* فقد ذكرت الأية طَيَّ سماء واحدة وهذا يفيد أنها السماء الدنيا وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه من أن السماء الدنيا هي كل ما نراه من نجوم ومجرات وغير ذلك في هذا الكون الفسيح.

2 قوله تعالى *كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ* وكأنه يشير إلى انكماش الأبعاد وتقلصها وانطوائها فتتحول أبعاد المكان الثلاثة إلى بعدين وإذا قمنا بالتعميم على الأبعاد الأربعة لهذه السماء فتنكمش كلها الى نقطة ليست ذات أبعاد.

3 قوله تعالى * كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ* إشارة إلى بدء الخلق من نقطة(أو كتلة صغيرة عالية التركيز) إلى عالم رباعي الأبعاد وهذا ما يعتقده أصحاب نظرية الإنفجار الكبير(Big Bang). أي أنه كما بدأ الخلق من نقطة إلى بعدٍ فبعدين فثلاثة أبعاد فأربعة كذلك يعيد الله الخلق من أربعة أبعادٍ إلى ثلاثة فبعدين فبعد واحد فنقطة غير ذات أبعاد(أو كتلة صغيرة عالية التركيز). وإذا صح فهمنا في بداية البحث من أن الزمن هو البعد الأول خلقاً, فيكون هو الآخر فناءاً.

وهنا أستطرد لأقول إنه إن صح هذا المعنى فهمنا معنى الخلود في الجنة لأنه لا يكون هنالك بعد الزمن فلا يصعب بعد ذلك تصور أن الإنسان في الجنة لا يفكر في "ماذا بعد" لأنه عندها لن يكون لهذا السؤال معنى لانعدام الزمن والله أعلم.

أما الآيات الأولى التي ذكرتها 1 {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) } [الواقعة : 75 - 77] فإنني أصدقكم القول لم أجد الجرأة على التعرض لتفسيرها بل لمجرد التفكير بماهية هذا القسم العظيم. ولعل الله تعالى يوفقني لفهمها حق الفهم فعندها قد أعود إليها.  

 

أما وقد ذكرنا بعض الآيات التي أتت على ذكر عدد أيام الخلق فلا بد من توضيح هذا الموضوع.

فهناك سبع آيات تشير إلى أن مدة الخلق ستة أيام:

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف : 54]

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [يونس : 3]

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [هود : 7]

{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان : 59]

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة : 4]

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق : 38]

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد : 4]

وهناك آية تشير إلى خلق السماوات في يومين:

{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت : 12]

وهناك آية تشير إلى خلق الأرض في يومين:

{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [فصلت : 9]

وآية تشير إلى تهيئة الأرض للحياة في أربعة أيام:

{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت : 10]

فبجمع هذه الآيات معاً نفهم ما يلي:

-       خلق الأرض كان في يومين

-       تهيئتها للحياة وبث الحياة فيها كان في أربعة أيام

-  خلق السماوات السبع في يومين وهما نفس اليومين اللذين كان فيهما خلق الأرض لأن اعتبار أن السماء الدنيا هي الكون المحسوس فإنها بهذا المعنى تشمل الأرض أيضاً.

وهكذا يكون خلق السماوات والأرض بمعنى إيجادها من العدم كان في يومين. أما تهيئة الأرض للحياة وبث الحياة فيها كان في أربعة أيام فيكون المجموع ستة أيام والله أعلم.

وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن يومي خلق الأرض مشمولين بالأيام الأربعة لتدبير الأرض وبث الحياة فيها. فإن كان ذلك كذلك يكون اليومان الأولان لخلق السماوات بما فيها السماء الدنيا قبل تكون الأرض في نطاق المجموعة الشمسية وتكون الأيام الأربعة الباقية هي فترة تكون المجموعة الشمسية ومنها الأرض مقسمة إلى يومين لتكونها ويومين لبث الحياة على الأرض. وأنا إلى القول الأول أميل لأنه أكثر توافقاً مع الآيتين التاسعة والعاشرة المذكورتين آنفاً من سورة فصلت. فيكون في اليومين الأولين خلق السماوات والأرض بمعنى إيجادهما من العدم, وفي الأيام الأربعة الباقية هيئت الأرض للحياة بأن تجمدت القشرة الأرضية وكونت المحيطات والغلاف الجوي والجبال وغير ذلك ثم ملئت الأرض بالحياة ثم أسكن الله الإنسان الأرض, والله أعلم.

 

الإسراء والمعراج:

إن تصورنا للكون على أنه ذو أبعاد عشرة يسهل علينا كثيراً فهم كيفية الإسراء والمعراج. فكما تقدم في شرح نظرية الأوتار " فإن الكون الذي نعيش فيه ليس وحيدا، وإنما هنالك أكوان عديدة متصلة ببعضها البعض، ويرى العلماء أن هذه الأكوان متداخلة ولكل كون قوانينه الخاصة به."

وهذا يعني أن الإنتقال إلى السماء الثانية والثالثة ...حتى السماء السابعة ما هو إلا الإرتقاء من أربعة أبعاد إلى خمسة ....حتى العشرة, وهذا الأمر لا يتطلب الصعود في السماء أي البتعاد عن الأرض لأن هذا لا يكون بقطع المسافات الطويلة بالضرورة فقد يكون كافياً الإنتقال مسافة قصيرة داخل الأبعاد الأربعة(كما كان حال الإسراء من مكة الى المسجد الأقصى) ومن ثم الإنتقال إلى الأبعاد الأخرى و هو لا يزال في مكانه أو ملاصقاً له ولكن في بعد آخر فيكون المعراج.

تنبيه:

وفي الختام أود التنبيه إلى أن القرآن ثابت والعلم متحرك, بمعنى أنه لما كان القرآن كلام الله فلا يمكن أن يتبدل ولكن يتغير فهمنا له بقدر عقولنا وعلومنا, بينما النظريات العلمية تصف الكون بما أتيح للإنسان من تقنيات للتجربة والقياس ولذا فهي في تطور مستمر. وهذا يؤدي إلى تعديل كل نظرية لسابقاتها بحيث تتلاءم مع التجربة. فإذا وجدنا اختلافاً بين القرآن و أي نظرية علمية فسببه أحد اثنين لا ثالث لهما:

-       إما أننا فهمنا من القرآن غير معناه.

-  وإما أن في النظرية نقصاً لا يجعلها ترقى إلى القانون فتخالف بذلك الواقع الذي يصفه الله تعالى لنا في القرآن.

-       وفي الحالتين نرد الأمر إلى الله ونقول الله أعلم.

وكمثال على تغير نظرة العلم إلى واقع الأشياء: كان الإغريق يعتقدون أن الأرض موجودة في مركز الكون, وبقي هذا المفهوم سائداً على أنه الرأي العلمي الوحيد حتى بضع مئات من السنين خلت. فتبين للعلماء خطأ هذا المفهوم وثبت لديهم أن الأرض كوكب يدور حول الشمس وأن المجموعة الشمسية بكاملها تقع في "طرف" الكون إن صح التعبير. ومنذ فترةٍ قصيرة بدأ العلماء يميلون إلى الإعتقاد بأنهم كانوا أيضاً مخطئين في هذا. والإحتمال الأرجح  الآن هو أن الأرض موجودة في مركز الكون ومن حولها فراغ هائل قلَّتْ فيه النجوم (و المجرات). بينما كثافة عدد النجوم تزداد كلما ابتعدنا عن الأرض. فيشبهون الكون بكرة تملأ النجومُ سطحَها والأرضُ في مركزها. وبين السطح والمركز فراغ شبه خالٍ مقارنة مع ما هو موجود على السطح. فلو أردنا قياس القرآن على العلم, فبالله عليكم أخبروني على أي علم نقيس.

والحمد لله رب العالمين.

 

13/04/2010  sommariva del Bosco(CN), Italy

د. عدنان أخضر: حاصل على شهادة الدكتوراه في هندسة الإتصالات والإلكترونيات من جامعة بوليتكنكو دي تورينو(Politecnico di Torino, Italy)

 

 

Enter supporting content here

By: Dr. Adnan Akhdar

جميع الحقوق محفوظة

مـاذا أُحَـدِّثُ يـا حـبـيـبـةُ والأحـاديـثُ شـجون

والشوقُ يذكي نارَهُ عطشُ العيونِ   إلى العيون