kharayeb.gif

ibn_khaldoun

مقدمة إبن خلدون ومؤخرة هيفاء وهبي

كتبهاالشنقيطي ، في 2 أكتوبر 2007

أنا إذا شخص عليل…هذا ما خلصت إليه …حالتي المرضية اسمها الماضي المجيد …و إلا لماذا كل ما حاولت أن أكتب شيئا عن حاضر قومي قفزت صيغة الماضي إلى سطح قريحتي و أمعن المضارع في الغوص نحو أعماقها الضحلة؟
لماذا كلما امتشقت قلمي وتسربلت بدفتري و صوبت نصل حرفي نحو نحر زمني استقرت رميتي على بعد عشر قرون من الآن؟
و لماذا تنتهي دائما رحلتي نحو الحاضر على بعد ثلاث كلمات و نيف عن أول كلمة كتبتها، لأكتشف من خلال وميض مؤشر الكتابة الملتصق بشغف بنقطة الصفر أن خزان أفكاري قد صار فارغا؟
لماذا كلما دسست يدي في جعبة أفكاري أتلمس فتات جملة مفيدة أسد به رمقي لا أجد سوى نقطة نهاية تراودني عن نفسها فأعود و دفتري قد قُدَّ من دبر؟
لماذا..؟ لماذا…؟ لماذا….؟ تحاصرني عشرات اللماذات المدججة بعلامات الاستفهام الفتاكة و تخيرني بين التفكير أو الاستسلام؟ وهما أمران أحلاهما مر.

قال لي الحكماء و العهدة على الراوي، أن أسباب علتي راجعة إلى ذات يوم كسوف حينما غشي قمر الماضي المجيد شمس الحاضر المخزي في كسوف سرمدي، أصبحت معه صلاة الكسوف فرض عين على كل بالغ سن اليأس. و بما أننا أمة قد بلغت، لا بل جاوزت، سن اليأس من كل شيء، و صارت تملك أكبر احتياطي لليأس في العالم، فقد أحرمنا في صلاة أبدية! فقام فينا الحجاج خطيبا حتى أدمى ظهورنا بسياط موعظته، و أمَّنا الحلاج من داخل جبته، فحل المحراب في الصليب فتوحدت ذاتيهما مع جسد الحلاج.
و بقينا نذوب في ابتهالاتنا و تضرعاتنا و أعناقنا مشرئبة صوب أبي الريحان البيروني القابع خلف مرصده عله يأذن فينا بنهاية الكسوف.

و حينما قُضيت الصلاة، انتشر المصلون في الأرض يبتغون من كل شيءوانتشرت معهم أبتغي أجوبة لأسئلتي. ولأن خطبة الحجاج لم تشف غليلي …ولأن بشرى البيروني لمن تجل همومي، بقيت أصارع مرضي و أطوف على الحكماء و العرافات و المنجمين عسى أجد عندهم دواء لدائي.
فسبرت ثنايا خطى ابن بطوطة، مهتديا بالنجوم تارة و بخرائط الإدريسي تارة أخرى.
بل اتبعت الإدريسي نفسه خلال رحلته » نزهة المشتاق في اختراق الآفاق « وقطعت على نفسي عهدا بأن لا أسأله عن شيء حتى يحدث لي منه ذكرا!
فما سألته لماذا أُحرقت كتب ابن رشد حتى و إن زكمت رائحة دخانها أنوفنا.
وما سألته لماذا نحتاج إلى إحدى و عشرون تأشيرة حتى نعبر هذا الوطن المسجي من الخليج إلى المحيط، بينما تظل حاملة الطائرات إيزنهاور تمخر عبابه بعنجهية الغواني.
لا …لم أحرج الإدريسي بأسئلة عن جغرافية مهجنة، رسم لنا السيدان سايس و بيكو خرائطها… وزفت لنا الآنسة كوندو ليزا بشرى مخاضها.
و لأن الإدريسي يعرف كيف يستفيد من أخطاء الآخرين…فهو لم يخرق السفينة …حتى لا تلاحقه أرواح المارينز… و مسدسات السي آي إي.
كما أنه لم يقتل أي غلام…لأن محمد الدرة قد مات و لأن بغداد لم يعد فيها أطفال بحاجة إلى قتل.
و لم يقم جدارا يريد أن ينقض، فإسرائيل قد تجشمت بدلا عنه عناء إقامة أطول جدار في العالم. فقطّعت به أوصال أرضنا، و لم تسألنا عليه أجرا.

و حينما أوينا إلى الصخرة
اكتشفت أني نسيت الحوت
و نسيت البحر
و نسيت المحيط
و نسيت الخليج
و نسيت أسئلة الجغرافيا
واكتشفت أني شفيت
شفيت من كل الأسئلة
إلا من بضع أسئلة في التاريخ….

لماذا صار مجد الأجداد لعنة تطارد الأحفاد؟
و كيف أصبحت هذه القرود من تلك الأسود؟
و لماذا أصبحت مؤخرة هيفاء وهبي أشهر من مقدمة ابن خلدون ؟
….

لا…يبدو أني لم أشفى تماما.

Enter supporting content here

By: Dr. Adnan Akhdar

جميع الحقوق محفوظة

مـاذا أُحَـدِّثُ يـا حـبـيـبـةُ والأحـاديـثُ شـجون

والشوقُ يذكي نارَهُ عطشُ العيونِ   إلى العيون