1- لمحة تاريخية:
ارتبط تطور الشعر
العامي بتطور اللهجات
المحلية التي سادت المناطق
العربية. فاستخدام اللهجات
العامية حتم كتابة الشعر
بهذه اللهجات. ولمعرفة
الأصول التاريخية لهذا النوع من الشعر
يجب أن نعود لتاريخ اللهجات
ونشأتها في البلاد العربية
وهذا بحث طويل ليس هذا
محله. والثابت أن الشعر
تبع كل التغيرات اللغوية
والإجتماعية والثقافية
التي طرأت على الجتمعات
الإسلامية. وخير دليل
على ذلك ما طرأ من تغير
في تركيبه وأوزانه ومواضيعه بعد دخول العرب
إلى بلاد تنتشر فيها لغات
مختلفة وثقافات متعددة
كبلاد فارس والأندلس,
حيث انتشرت الرباعيات
والموشحات وغيرها. وكنتيجة
تلقائية تأثر الشعر العامي
بهذه الثقافات المتعددة
فأهملت بعض الأوزان التي
لا تتلاءم مع اللهجات
المحلية وزيدت أوزان
كانت تستخدم في اللغات
المحلية غير العربية.
قبل البدء بتفصيل
أوزان الزجل وتفعيلاته
أردت أن أتعرض لأحد أنواع
شعر العامية و هو ما يمكن
تسميته بالشروقي القديم
وذلك لأنه يؤكد ما ذهبنا
إليه سابقاً من لحاق شعر
العامية لتطور اللغة
( أو انحدارها ) فوزنه هو
نفس وزن البحر البسيط
وهو, لقدمه, يستخدم
الكثير من الكلام الفصيح
وقد يحرك أواخر الأفعال
والأسماء حسب إعرابها
ويسمح بالتنوين إلخ... ولعل
السبب الرئيس في بقائه
على حاله, أو يكاد, إلى يومنا
هذا هو موضوعه. فلقد كان
أكثر ما كتب على هذا الوزن
ذا موضوع ديني يستخدم
كلمات ومقاطع من الآيات
القرآنية والأحاديث النبوية
الشريفة والتي لا يمكن
قولها بالعامية حفاضاً
على أصلها.
وقد استعمل لفظ الزجل
قديماً للدلالة على ما
كتب باللهجات العامية
في جميع المناطق العربية
كما يدل على ذلك ما ذكره
صفي الدين الحلي.
أما في هذه المقالة
فسوف أقتصر على الزجل
اللبناني والشعر العامي
باللهجة اللبنانية. فقد
أخذ مصطلح الزجل في لبنان
معنىً خاصاً حصره بالأوزان
التي استخدمت في حفلات
الزجل اللبناني, وسوف
ألتزم في هذا المقال بهذا
التعريف ومن ثم أذكر الأوزان
والفنون الأخرى تحت عنوان
شعر العامية.
2- أوزان الزجل اللبناني:
لقد درج كل من كتب
في هذا الموضوع على اعتماد
طريقة لتقطيع الزجل تختلف
عن تلك المستخدمة في شعر
الفصحى ولم أجد
مبرراً لهذا الأمر إلا
نية مبيتة لدى من اعتمد
بدايةً هذه الطريقة لتثبيت
فكرة أن الزجل لا ينتسب
إلى اللغة العربية بل
إلى لغات أخرى كالسريانية
وهدفهم في ذلك لا يخفى
على ذي نظر. ولعل طريقة
الردّادة في غناء البيت
الأخير من المعنّى خلف الشاعر تؤكد أن
الفيصل في إثبات صحة الوزن
هو إمكانية غنائه بعد
تحريك الأحرف التي يجب
تحريكها حتى تتوافق مع
وزن بحر الرجز. لذا سأعتمد
التفعيلات كما في شعر
الفصحى.
الأوزان المتداولة
في الزجل اللبناني هي
الآتية:
2.1 المعنَّى:
وهو على وزن بحر الرجز
ولكن غالباً ما ينتهي
بحرفين ساكنين وتفعيلاته:
مستفعلن مستغعلن
مستفعلن أو مستفعلن مستفعلن
مستفعلون
مثال(للشاعر الحاج
حسن أخضر):
بيموتوا الموت لمن السرمند iiانشال
دمن حبر تاريخهن زيت النضال
|
|
وبيوجدوا اللي نقال عا وجودو محال
ومشعال يضوي عالدني وكل iiالدني
|
شهدت لهم شوما انحكى وشوما
انقال
فيقوم الردّادة بترديد
أو غناء "القفلة" وهي: " شهدت
لهم شوما انحكى وشوما
انقال "
أو كما يقول الشاعر زين
شعيب:
قالوا كبرت يا بو علي والعمر فات
كان لك زمان تغازل زهور النبات
قلتلهن وحياة كل الآنسات
بعدني لولا كمشت شلف الحديد
|
|
ويمكن صرت عاجز تأدّي الواجبات
وتفيّق النسر البقلب الوكر بات
وكل شي خلق ألله حلو ومرطّبات
وقت اللي بدي بعملو غزل البنات |
وكما يظهر من الشطر
الأول من البيت الأخير
فإن التفعيلة الأولى
"مستفعلن" استبدلت بـ "فاعلن"
وقد تأتي أيضاً "فعولن"
شرط أن يمكن غناؤه كما
أسلفنا
2.2 القصيد:
وهو على وزن
البحر الوافر ويأتي غالباً
على هذا الشكل:
مفاعيلن
مفاعيلن فعولن مفاعيلن مفاعيلن
فعولن
ويمتاز القصيد
عن المعنى بإمكانية إنشاده
فيتسم بالقوة والحماس.
وأذكر كأمثلة
بعض الأبيات وأبدأها
هذه المرة مع الشاعر السيد
محمد مصطفى:
مقلّد بالنجف سيّد جماعي سلخت من الشفق أحمر شراعي تا صفى حربجي مدّيت باعي
|
|
وهوني سيّد الشعر iiالمقلّد وقطبتو بمركب الفن وتجلّد على ضهر الشمس قزقز وجلّد
| وتلك بعض الأبيات
لزغلول الدامور(جوزيف
الهاشم):
يا ليل الشعر يعطيك العوافي تفلفشلك خصل شعرك بـــديي لقيتك من بعد نومي هــــــنيّي فقت فوقة عروس iiالمستــحيي
|
|
لعندك جيت من أبعد مــسافي وفيق جفنك اللي كان iiغـــافي بحضن الموهبي مكنكن iiودافي اللي خلطت بالعسل قطر iiالكنافي
| وها هنا أبيات
للشاعر الحاج حسن أخضر:
بيوت المجد عبدنا طريقا
إذا نار الوغى هبت حريقا
قسمنا في مواضينا iiالرقيقا
|
|
وقبل ما يكون إسم السيف كنا
بتخمد لو طلقنالا الأعنا
بطلنا ما ضرب ضربي وتنا |
2.3 الشروقي:
و
هو على وزن البحر البسيط
ويأتي على التفعيلات
التالية:
مستفعلن
فاعلن مستفعلن
فعلن =
مستفعلن فاعلن مستفعلن
فعلن
وهو
يغنى بوتيرة بطيئة وحزينة
ويمد آخره وهو مناسب للغزل
والرثاء. وكمثال أذكر
أبياتاً للشاعر موسى
زغيب في الغزل:
مشتاق زورك ببيتك عـا طريـق iiالشـام ويكون بعدو رطـب شَعـرِك مـن الحمّـام
|
|
آخر شتوره وفـي حـد البيـت صفصافـه ويصير يرقص من كتافك علـى كتافـي
| وفي الرثاء أذكر مقطعاً
من قصيدة للشاعر الحاج
حسن أخضر :
يـا سـاكن القلب وين مضيع المفتاح في إلك صورة بعيوني والغشاوي وشاح نـام بـعـيوني إذا بالقلب مش مرتاح يـا عـالـم الغيب وين بيلتقو الأرواح بـلـكي بليلة قدر مع موكب الصلاح |
|
وضلوع صدري انحنت وعليك iiمقفولي عـامـحـجر العين بالدمعات مغسولي وعنك دموعي ورموش العين مسؤولي وأيـا طـريق المع الأحباب موصولي بـقشع خيالو وصلا المجروح مقبولي |
وهذه أبيات للشاعر
نفسه في مرثية الإمام
الحسين (ع) ـ
ياريت نهر الفرات بالأرض ماؤو غار يـا نـاعي الدار أوقف عابواب iiالدار يـا دار اهلك مضوا والدهر فيهم حار يـا دار ابكي ولو كانوا الدموع حجار يـا دار جـيـنا بلا اهل وبلا انصار
|
| بـالـدم مـنا ارتوى وما كان iiيروينا وبـاسم الحزينى ودموعا قول وانعينا وغرقوا المراكب قبل ما يوصلو المينا وبـحـق إلـهـا دمـوع الدار تبكينا وبـحـقِّـلِـك يـا دار مـا تستقبلينا
|
2.4 القصيد القصير:
وقد
كتب على هذا الوزن من أجمل القصائد المغناة,
ففيه شيء من البحور السابقة.
فاسمه من القصيد ووزنه
من المعنى و هو أشبه ما
يكون بالشروقي فلو وضعت
بيتاً منه في الشروقي
لما تنبه إليه إلا القليل
من المستمعين. أما وزنه
فهو:
مستفعلن مستفعلن
فعلن مستفعلن
مستفعلن فعلن
ومن
الأمثلة على هذا الوزن
القصيدة المشهورة للشاعر
زين شعيب:
يا مين عا شحاد يهديني لا مال بدّي ولا برزق طمعان بدّي عصا من قرمة العميان وادّروش وأبرم على الجيران شحاد بشحد عاطفة iiوتحنان وبتنهنه بغصّة طفل عطشان شحاد بشحد كحلة الغزلان وبشحد لك الغفوة من النعسان
|
|
منشان سرّ الكار يعطيني ولا مقصدي ضيعة ولا مديني اتعكّز عليها بتكفيني وع كل عتبه ينحني iiجبيني من اللي جرح قلبي وناسيني قلبي احترق يا ميمتي اسقيني من عيونك الفيهن قتلتيني حتى تنامي يا تقبريني
|
ويلاحظ من الوزن كيف
يمكن اشتقاقه من المعنى وذلك باستبدال
"مستفعلن " في آخر كل شطر
من البيت بـ "فعلن".
أما وجه الشبه بين
هذا الوزن والشروقي فسوف
أوضحه بمثال. فلو أخذنا
هذا البيت على وزن الشروقي:
يا طير متلك أنا كان لي حبيب جناح
|
|
ومن غصن إنقل ع تاني غصن بسهولي
| يمكن تحويل الشطر
الأول كالآتي:
متلك أنا يا طير كان لي جناح
|
|
ومن غصن إنقل ع تاني غصن بسهولي
| فيصبح الشطر
الأول على وزن القصيد
القصير والشطر الثاني
على وزن الشروقي,
ويلاحظ هنا الشبه الكبير
بينهما.
2.5 القرادي:
و هو على وزن البحر
المحدث (ويسمى
المتدارك والخبب) وتفعيلاته:
فِعْلُنْ فِعْلُنْ فِعْلُنْ فِعْلْ فِعْلُنْ فِعْلُنْ فِعْلُنْ فِعْلْ
وهو كثيراً ما يحمل
حس الفكاهة المحببة للمستمع
, وإليك بعض الأمثلة أبدأها بالشاعر زين
شعيب (أبو علي):
يا حنا ما تركنا iiحي
سآل الإم سآل iiالبي
بعتب عالإخت وعالخي
لجابولي برميل المي
|
|
تا خلقنا بقلبو منبر
سآل العملاق الأكبر
وعا غصن الأرز الأخضر
يقاوم نهر الليطاني |
و ها هنا مقطع قرادي
للشاعر الفذ خليل شحرور:
ـ
تاجرح الأوطان يطيب شبعنا تهويد وتعريب الديب على نعجاتك جيب لا بيتغير طبع الديب
|
|
نحنا وإنتو بالمغطس واللي تأمرك وتفرنس وحط الواوي iiبالمكبس ولا بيجلس ديل iiالواوي
|
2.6 الموشح:
وهو مشتق
من القرادي. فالشطر الأول
له نفس تفعيلات الشطر
الأول من القرادي أما
الشطر الثاني فهو أقصر
من الشطر الأول فيكون
على هذا الشكل:
فِعْلُنْ فِعْلُنْ فِعْلُنْ فِعْلْ فِعْلُنْ فِعْلُنْ
أما
عملياً فلكي يتطابق الوزن
مع الإلقاء يستحسن أن
يكتب البيت كاملاً على
شكل ستة تفعيلات
إحداها مقسمة بين الصدر(الشطر
الأول) والعجز(الشطر الثاني)
أي على الشكل التالي:
فِعْلُنْ فِعْلُنْ فِعْلُنْ فِعْ لُنْ
فِعْلُنْ فِعْلْ
وكمثال أذكر
مقطعاً للشاعر خليل شحرور:
براهيم كبير ولادي منو أغلى من بلادي بجند جيش البلوادي لما صوتك بينادي
|
|
وسياج الدار لو مهما صار وعسكر جرار يا بو براهيم
|
3
فنون أخرى من شعر
العامية:
بالإضافة
إلى ما ذكرناه من أوزان
الزجل وفنونه يشمل شعر
العامية فنوناً وأوزاناً
أخرى نذكر منها:
3.1 الشروقي
القديم:
وقد تعرضنا
له في المقدمة وهو من حيث
الوزن يتطابق مع الشروقي
الحالي ويختلف عنه في
قواعده كاستخدام التنوين
وخصوصاً في القافية واستعمال
بعض الكلمات كما هي في
العربية الفصحى وقد استعمل
هذا النوع من الشعر في
مدائح النبي(ص) وأهل بيته
(ع) وأذكر أني قرأت كتباً
شعرية كثيرة في صغري تحتوي
قصائد من هذا النوع. ولا
أزال أذكر شطرين من بيتين
لقصيدتين مختلفتين:
الأول: ببدأ كلامي
بإسم الواحد القهار
الثاني وعمرو بن
ود العامري لو كان
أما اليوم,
فإن كل ما عثرت عليه في
هذه العجالة قصيدتان
للشاعر الحاج حسن أخضر.
الاولى بعنوان "مكة" والثانية بعنوان
"عبد الله" ويظهر
الفرق بين هاتين القصيدتين
والقصائد الأخرى التي
كتبها الشاعر نفسه على
الشروقي وأذكر منها: "
يا حيدر السيف" , "يا حامل
الروس", "يا دار أهلك
مضوا" و "قومي يا ليلى
معي تا ننصب العرزال".
3.2 العتابا:
هو فن
شعري له نفس وزن القصيد
(بحر الوافر) ولكن يُنشد
بلحن خاص به وهو يعتمد
الجناس(تشابه الكلمات
لفظاً واختلافها معنىً).
ويتألف المقطع(و يسمى
أيضاً بيت العتابا) من
بيتين يشكلان وحدة متكاملة
تامة المعنى. أي أن المقطع
الواحد له موضوع واحد
ومكتمل. وينتهي كل من الشطر
الأول والشطر الثاني
من البيت الأول, والشطر
الأول من البيت الثاني
بكلمة تحمل معنىً مختلفاً
في كل شطر. وقد تكون هذه
الكلمة ناتجة عن دمج كلمتين.
أما الشطر الثاني من البيت
الثاني فتكون قافيته
دائماً الباء مسبوقة
بألف دون همزة كما في "عتاب".
وقد جوَّز بعضهم أن تكون
القافية عبارة عن حرف
الباء مسبوقاً بفتحة
تُمَدّ حتى تصبح كالألف
كما في "قَصَب" فتلفظ "قصاب".
كما أن الشطر الأخير (أو
القفلة ) يكون أقصر مما
قبله بحركة واحدة فيكون
الوزن على هذا الشكل:
مفاعيلن مفاعيلن مفاعلْ مفاعيلن مفاعيلن مفاعلْ
|
|
مفاعيلن مفاعيلن مفاعلْ مفاعيلن مفاعيلن مفاعْ |
وهذه
بعض الأمثلة على العتابا:
زغلول
الدامور:
هجرتونا وهجرتوا النبع والعين محبتكم بنص القلب والعين
|
|
وتركتونا بجحيم الشوق والعين وقدر ما تبعدوا بتبقوا iiقراب
| زين
شعيب(أبو علي)
الهوا مهما عن حبابي بعدني ولعب فيي الكبر لكن iiبعدني
|
|
ان عدّ الأشقيا الأول بعدني لوجه الصبح بسهر عالبواب | فكلمة
بعدني الأولى تعني "أبعدني",
والثانية تعني "يَعُدّني",
والثالثة تعني"لا أزال"
أو "ما زلت".
3.3 الميجنا
تشبه
الميجانا العتابا باستخدام
الجناس وتختلف معه بالوزن
والقفلة. فالميجنا على
وزن المعنّى(بحر الرجز)
والقفلة تكون قافيتها
دائماً "نا". تبدأ الميجنا
عادة ببيت واحد يسمى "المحطّ"
شطره الأول "يا ميجنا ويا ميجنا ويا ميجنا" والشطر الثاني له نفس
وزن وقافية الشطر الأول
وهو مستقل المعنى.
مثال:
يا ميجنا ويا ميجنا ويا ميجنا |
|
ان شالله يكونوا سامعين حبابنا |
كل شي الزمان تمقطع وعضمي برد وبتنزل الدمعات عالمينا برد |
|
من نار شوقي يوم قلبي ما برد بكرا متى سمعنا صفر بابورنا |
يتبع......
|